القائمة الرئيسية

الصفحات


غلطة محامي متمرن

خطأ محامي متمرن

جرت أحداث هذه القضية في التسعينات من القرن الماضي أمام محكمة الاستئناف المدنية الرابعة بدمشق حينما كان يرأسها الأستاذ المحترم "مختار العوف" .

شخص سعودي الجنسية اشترى منزلاً بدمشق ، و نتيجة لخلاف مع البائع اضطر لرفع دعوى لتثبيت الشراء و استلام العقار و قام بتوكيل محام لهذا الغرض .

أمام محكمة الاستئناف أفاد وكيل البائع بأن السعودي قد توفي و طلب قطع الخصومة و لم يبرز أي دليل يؤيد صحة كلامه .
حضر مدرب المحامي وكيل السعودي و صادق الخصم على أقواله بأن موكله قد توفي ، فقامت المحكمة بقطع الخصومة بالدعوى ، مع العلم أن الدفع بالوفاة كاذب و غير صحيح و الحقيقة أن السعودي حيّ يرزق ، و لم يتضح فيما بعد إن كانت مصادقة المحامي المتمرن بأن الموكل توفي كانت نتيجة تواطؤ و سوء نية ، أم أنها ناجمة عن جهل أو رعونة و استهتار ، علماً بأن وكيل السعودي كان من المحامين المحترمين و المشهود لهم بالنزاهة و فوق الشبهات رحمه الله .

حينما أخبر المتمرن أستاذه بأن الدعوى قطعت الخصومة بها نتيجة وفاة الموكل اعتقد ان الخصم أبرز ما يثبت وفاة موكله و استغرب أن ذوي الموكل لم يخبروه بالوفاة .

اتصل محامي السعودي بذوي موكله ليحثهم على إرسال حصر إرث للمرحوم و على تنظيم وكالة له من أجل متابعة السير بالقضية ، ففوجئ بأن موكله ما زال على قيد الحياة ، و هو بنفسه الذي ردّ على المكالمة .

حضر السعودي لسوريا و اختلف مع محاميه و قام بعزله ، و توكلنا عنه .

قمنا بتجديد القضية و قلنا للمحكمة أن قطع الخصومة كان خطأ و أن المدعي مازال على قيد الحياة بدليل حضوره أمام الكاتب بالعدل و قيامه بتنظيم عزل رسمي لوكيله و قمنا بإبراز سند العزل الرسمي ، و بدليل حضوره أمام مندوب نقابة المحامين و قيامه بتنظيم وكالة لنا خاصة بهذه القضية ، و هذه الأدلة قاطعة الدلالة أن الموكل السعودي على قيد الحياة .

بعد تبادل الدفوع و رفع الأوراق للتدقيق ، قررت تكليفنا لإبراز قيد نفوس حديث للموكل يثبت أنه على قيد الحياة ، و في الحقيقة كان من المتعذر الحصول على قيد نفوس لشخص سعودي بسبب الحظر و التضييق المفروض على هذه الوثائق حتى لا تستخدم في معاملات الزواج من سوريات .

قمنا بتقديم دفوعنا السابقة بأن الدليل على حياة الموكل الوثائق المبرزة بالملف من قبلنا و التي قام بتنظيمها بعد الزعم بوفاته ، و أنه لا يوجد بالأصل دليل على وفاته سوى إقرار المحامي المتمرن .

أصرت المحكمة على قرارها بتكليفنا إبراز قيد النفوس ، فكررنا أقوالنا السابقة ، فقامت المحكمة باستئخار النظر بالدعوى لحين إبراز الوثيقة المذكورة .

أبلغنا الموكل ما حصل فحضر لسوريا و قام بمراجعة السفارة السعودية و استطاع إقناعهم بتزويده بقيد نفوس خاص بالمحكمة دون أن يصلح للزواج ، فقمنا بتجديد الدعوى و أبرزنا قيد النفوس و طلبنا السير بالدعوى مجدداً .

بعد تبادل الدفوع و رفع الأوراق للتدقيق أصدرت المحكمة قرار كلفتنا بموجبه إبراز قيد نفوس صادر عن دائرة الأحوال المدنية بالسعودية حصراً ، باعتبار أن السفارة السعودية في دمشق غير مخولة بإصدار مثل هذه الوثائق .

تعذر على الموكل الحصول على مثل هذه الوثيقة ، و بعد استنفاذ فرص الاستمهال و فشل مساعينا بثني المحكمة عن قرارها ، رفعت الأوراق للتدقيق و قررت المحكمة للمرة الثانية استئخار النظر بالدعوى لحين إبراز الوثيقة المذكورة .

فقمنا بتجديد الدعوى ثانية و في الجلسة الأولى بعد الشروع قمنا بإحضار الموكل من السعودية و جعلناه يحضر الجلسة بنفسه ، و تتثبت المحكمة بنفسها من شخصيته بالذات حتى عادت الدعوى لتسير بطريقها المعتاد .

النهفة أن وكيل الخصم و هو من المحامين المعروفين بدمشق و لهم أسمهم ، و بالرغم من رؤيته للموكل عندما حضر الدعوى بنفسه ، بقي لآخر الدعوى و هو يصر على طلب قيد نفوس الموكل و أننا نكلنا عن تنفيذ قرار المحكمة مما يتوجب استئخار النظر بالدعوى أيضاً ، و لكن المحكمة لم تكترث لأقواله .

الجدير بالذكر أن الفترة التي مضت على الدعوى بين غلطة المتمرن بالمصادقة على وفاة موكله ، و حتى سارت الدعوى بطريقها العادي استغرقت ...... أربع سنوات .

هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع