القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخطـاءُ المهنيّـة الجسيمـة للقُضـاة في القانـونِ والاجتهــاد


الخطأ لغةً من الفعلٌ الثلاثي (خ ط أ) أخطأ، يُخطئُ، فهو مُخطئ، وهو ما كان ضدهُ الصواب، فيقال: أخطأ الطريق وعدَل عنهُ، وتعثّر بمعنى غلِط، وأخطأ الخطيبُ القول: أي لم يُصبه؛ وهو لصيقٌ بما لم يُتعمّد فعله، ويُقال لمن أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئُ هو من تعمّد ما لا ينبغي فعله، والخطيئةُ هي الذنبُ على عمد؛ وهو في مُحكم الذكر، قولهُ تعالى في سورة الأحزاب " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ" صدق الله العظيم.

وهو في الاصطلاح: كلُ قولٍ أو فعلٍ يصدرُ عن الشخص دونما إرادته وغير مقترنٍ بقصد.

وقد تناول قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني رقم (2) لسنة 2001م دعوى مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة بالمواد (153-163) فأجاز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة العامة إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة العامة في عملهم غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم لا يمكن تداركه، وفي الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتعويضات، على أن يُخطر المدعي في دعوى المخاصمة قبل إقامتها مجلس القضاء الأعلى بما يسنده إلى المدّعى عليه. 

وتقام دعوى المخاصمة بلائحة تقدم إلى قلم محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة موقّعة من المدّعي أو من وكيله بموجب توكيل خاص، وأن تشتمل على بيان أوجه المخاصمة وأدلّتها، وأن ترفق بها الأوراق المؤيدة لها، مع مراعاة سقوط دعوى المخاصمة بمضي ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ اكتشاف الغش أو التدليس أو الخطأ المهني الجسيم. 

وقد حـدّدتْ محكمة النقض الفرنسيّة بقرارها الصادر بتاريخ الثالث عشر من تشرين أول/ أكتوبر 1953م عن الدائرة المدنية الأولى المقصود بالخطأ المهني الجسيم بأنه "الخطأ الذي يرتكبه القاضي لوقوعه في خطأ فاضحٍ ما كان يجب أن يقع فيه القاضي الذي يهتم اهتماماً عاديّاً بعمله، وقد يكون جهلاً فاضحاً بالمبادئ الأساسية للقانون أو الجهل الذي لا يُغتفر inexcusable في الوقائع الثابتة في ملف الدعوى، ويشترط أن يكون هذا الخطأ استثنائياً وفاضحاً".

وقد جاء في قرار محكمة النقض السورية بهيئة عامة رقم 15 الصادر بتاريخ 27 شباط/ فبراير 1990م، أن الخطأ المهني الجسيم كما عرّفه الفقهاء واستقرّ عليه الاجتهاد القضائي هو الخطأ الفاحش الذي لا يرتكبه القاضي الذي يهتم بعمله اهتماماً عاديّاً، فيُهمل تدقيق وثائق وأوراق الدعوى ولا يقيمُ وزناً لما هو مستقرٌ عليه الرأي من مبادئ أساسية وقواعد قانونية مسلمٌ بصحتها وتنأى عن الجدل والتفسير.

كما استقر الاجتهاد والفقه أيضاً على أن مجرد وقوع الخلاف في تفسير القانون ليس من شأنه أن يشكل خطأً مهنيـّاً جسيماً ولو كان التفسير خاطئاً أو موضوع خلاف بين الشرّاح والمجتهدين ولا يجوز قبول إبداء أوجه دفاع جديدة أمام المحكمة الناظرة في دعوى المخاصمة لم يسبق إبداؤها أمام محكمة الموضوع.

والخطأ المهني الجسيم لا يشمل في مداه الخطأ في التقدير أو في استخلاص النتائج القانونية أو تكييف العقود وتأويلها للتعرّف من خلالها على نيّة المتعاقدين، لأن ذلك من صميم اختصاص القاضي الذي أعطاه المشرّع سلطات تقديرية تحقيقاً لمبدأ العدالة فيما يُعرض من منازعات.

ومثل هذه الأخطاء على فرض وقوعها لا تصلح أصلاً أن تكون سبباً من أسباب مخاصمة القضاة التي وردت على سبيل الحصر.
كما جاء في قرار آخر لذات المحكمة يحمل الرقم 149 صادر بتاريخ 30 كانون أول/ ديسمبر 1992م أنه "من المبادئ الراسخة قانوناً أن المشرّع هو الذي يسنّ ويحدّد طرق الطعن بالأحكام، ولا يملُك قضاة المحاكم إهمال هذه الأحكام، وهم إن جانبوا ذلك ارتكبوا خطأً مهنياً جسيماً، لإغفالهم تطبيق المبادئ الأساسيّة للقانون وعدم اهتمامهم العادي في أعمالهم، وقد استقرّ الاجتهاد لهذه المحكمة أن المحاكم تلتزم في أحكامها تطبيق القواعد القانونيّة التي تقرّها الهيئة العامة لمحكمة النقض، وهي إن أغفلت ذلك وقع قضاتها في الخطأ المهني الجسيم وعرّضوا أحكامهم للإبطـال.
بقلم: المسـتشار/ أحمـــد المبيض


الأخطـاءُ, المهنيّـة ,الجسيمـة, للقُضـاةو في القانـونِ , والاجتهــاد

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع